حديث النبي “إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ”
عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول:
“إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصِيبُهَا أَوِ امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ” (رواه البخاري ومسلم).
شرح الحديث:
1. “إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ”:
هذا الجزء يؤكد أن قيمة العمل ووزنه في الإسلام يتحدد بناءً على النية التي ينطلق منها. النية هي المحرك الداخلي لكل عمل يقوم به الإنسان، سواء كان عبادة كالصلاة والصيام، أو معاملة كالبيع والشراء. إذا كانت النية خالصة لله تعالى، فإن العمل يصبح عبادة يُثاب عليها، أما إذا كانت النية ملوّثة بغرض دنيوي بحت، فإن العمل يفقد قيمته الأخروية.
2. “وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى”:
هذا تأكيد على أن الأجر والثواب في العمل يكونان مرتبطين بما نواه الإنسان. فمن نوى الخير وأراده، فله أجره حتى وإن لم يوفق في تحقيقه، ومن نوى الشر أو عملاً لا يبتغي به وجه الله، فلا أجر له عند الله، وإن تحقق له ما أراد.
3. “فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ”:
الهجرة هنا في سياق الحديث تُشير إلى الهجرة التي قام بها المسلمون من مكة إلى المدينة، وهي تمثل ترك الوطن والأهل نصرةً للدين. من كانت نيته خالصة لله ولرسوله، فهجرته تُحسب عند الله كذلك، ويُثاب عليها.
4. “وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصِيبُهَا أَوِ امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا”:
الجزء الأخير يبيّن أن من كانت نواياه في الهجرة أو أي عمل دنيوياً بحتاً، كتحقيق مكاسب مادية أو أهداف شخصية، فإن عمله لا يُحسب عند الله كعبادة، بل يقتصر أثره على تحقيق هدفه في الدنيا.
فوائد الحديث:
- أهمية النية في العمل:
يذكّرنا الحديث أن النية هي أساس قبول العمل. فالعبادات لا تُقبل إذا كانت مجرد عادات خالية من الإخلاص. - تشجيع الإخلاص:
يوجه الحديث المسلم ليحرص على تصحيح نيته قبل كل عمل، وجعل هدفه رضا الله. - تقدير النوايا الطيبة:
حتى لو لم ينجح الإنسان في تحقيق عمله، فإن النية الصالحة تُحتسب له كعمل كامل. - تمييز الأعمال الدنيوية عن الأخروية:
العمل الدنيوي إذا كان بنية صالحة، كإعالة الأسرة أو كسب الرزق الحلال، فإنه يتحول إلى عبادة، أما إذا خلا من النية الطيبة فإنه يبقى مجرد جهد مادي.
التطبيق العملي:
- في العبادات: عند أداء الصلاة أو الصيام أو أي عبادة، يجب أن نستحضر نية الإخلاص لله وحده.
- في الأعمال اليومية: حتى الأعمال البسيطة كالتعلم أو مساعدة الآخرين يمكن أن تكون عبادة إذا نوينا بها وجه الله.
- في التعاملات: الحرص على أن تكون كل أفعالنا خالية من الرياء أو طلب المدح من الناس.
خاتمة:
حديث “إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ” هو قاعدة عظيمة تُذكّرنا بأهمية توجيه القلوب نحو الله تعالى. فهو يحثنا على الإخلاص في كل صغيرة وكبيرة من أعمالنا، ويُبين لنا أن النية الصالحة ترفع من قيمة العمل وتجعله عبادة مثمرة في الدنيا والآخرة.