حديث النبي: “استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان” صححه الألباني في السلسلة الصحيحة
هذا الحديث يحمل في طياته الكثير من الحكمة التي ينبغي على المسلم أن يتأمل فيها. فكيف يمكن للإنسان أن يسعى لتحقيق حاجاته بأفضل الطرق؟ ولماذا يُفضل الكتمان في قضاء الحوائج؟ في هذه المقالة، سنتناول معنى هذا الحديث النبوي الشريف مع توضيح أهميته في حياتنا اليومية.
شرح الحديث:
“استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان” هو حديث مروي عن النبي صلى الله عليه وسلم، ورد في بعض كتب الحديث، ويشير إلى ضرورة حفظ الأسرار والخصوصيات عند السعي لتحقيق حاجات الإنسان. فالحاجة إلى المساعدة أو قضاء أمور الحياة لا ينبغي أن تكون مصدرًا للحديث العلني أو التفاخر، بل ينبغي أن تتم في سرية تامة، بل وبتواضع. وفي هذا السياق، يجب على المسلم أن يكون حكيمًا في تعاملاته مع الناس وأن يكون لديه القدرة على طلب العون بأدب واحترام، مع الالتزام بالكتمان.
معنى الحديث في ضوء الشريعة:
- أهمية الكتمان في طلب المساعدة: من دلالات هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم نصح المسلمين بالكتمان عندما يحتاجون إلى مساعدة في قضاء حوائجهم. وذلك لأن إظهار الحاجة باستمرار للناس قد يؤدي إلى الشعور بالضعف، أو قد يشجع بعض الأشخاص على الاستفادة من هذه الحاجة أو التفاخر بها. في المقابل، عندما يظل الإنسان محتفظًا بحاجاته في قلبه دون إفشاء، فإن ذلك يعكس تواضعًا واحترامًا للآخرين.
- تعزيز الخصوصية والكرامة: الكتمان يعزز من خصوصية الإنسان وكرامته. عندما لا يُظهر الإنسان حاجاته أو مشاكله للآخرين، فإنه يظل محتفظًا بشعوره بالاستقلالية والاحترام. هذا يخفف من مشاعر الإحراج التي قد يشعر بها الشخص عندما يطلب المساعدة أو يعبر عن حاجته. وتكون المساعدة بذلك في إطار الإحسان والمحبة بين الناس، وليس في إطار التفاخر أو الاستغلال.
- تجنب الفتنة والرياء: إظهار الحاجة بشكل علني قد يفتح باب الرياء أو الفتنة. البعض قد يطلب المساعدة أمام الناس ليُظهر مدى حاجته أو ليحصل على تعاطف الآخرين. النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلم أن مثل هذه المواقف قد تؤدي إلى مشاعر سلبية مثل الغرور أو الاستغلال، وبالتالي كانت النصيحة بالكتمان تحمي الفرد من الوقوع في مثل هذه الفخاخ.
أثر الكتمان في حياة المسلم:
- حفظ العلاقات الاجتماعية: عندما نحتفظ بحاجاتنا في داخلنا ونطلب المساعدة في طيّات الصمت أو بالكتمان، فإن ذلك يعزز من العلاقات الاجتماعية بشكل إيجابي. لا يُجعل الشخص الآخر يشعر بأنه مُطالب أو مُلتزم بشيء تجاهنا، بل يتم تقديم المساعدة عن طيب خاطر ورغبة في الإحسان. وهذا يساهم في خلق جو من التعاون والتكافل بين أفراد المجتمع.
- تطبيق التواضع: من خلال الكتمان، يظهر المسلم تواضعه. فعندما يُظهر شخص حاجاته بشكل علني ويطلب المساعدة من الجميع، فإن هذا قد يُعتبر نوعًا من الفخر أو التفاخر. بينما عندما يتم الكتمان، يُظهر الشخص أدبًا في طلب المساعدة واحترامًا للآخرين، مما يعزز من قيم التواضع في المجتمع.
- تقوية الإيمان بالله:
في نفس الوقت، يُحسن المسلم إيمانه بالله عندما يعتمد على الله في قضاء حاجاته. فعندما يكتم حاجاته ويطلب المساعدة من الله أولاً، فهو يعزز إيمانه بأن الله هو الرزاق والميسر. وفي الوقت نفسه، لا يشعر بالانكسار أو الحاجة أمام الناس، بل يتوكل على الله الذي لا يُخيب من لجأ إليه.
حديث النبي صلى الله عليه وسلم: “استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان” يحمل في طياته معاني عظيمة تتعلق بالتواضع والخصوصية والاحترام في تعاملاتنا اليومية. من خلال هذا الحديث، يعلمنا النبي صلى الله عليه وسلم كيف نتعامل مع حاجاتنا بكرامة، وكيف نطلب المساعدة من الآخرين بحكمة دون التسبب في إحراج أو تفاخر. كما يعلمنا أن الكتمان في بعض الأحيان هو الطريق إلى تعزيز الإيمان بالله والتوكل عليه، والتفاعل مع الناس بشكل أرقى وأفضل.
في النهاية، لنحافظ على هذه الحكمة النبوية في حياتنا، ولنسعى لتحقيق حاجاتنا بعقلانية وبتواضع، مراعين في ذلك الحفاظ على كرامتنا وخصوصيتنا، مستعينين بالله في كل أمر.