خطب

خطبة الجمعة عن التفاؤل وحسن الظن بالله

بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين

(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَىٰ عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجًا ۜ (1) قَيِّمًا لِّيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِّن لَّدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا (2) مَّاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا (3) وَيُنذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا (4))[الكهف]

واشهد إلا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله وصفيه من خلقيه وحبيبه، بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق الجهاد حتي آتاه اليقين.

فاللهم صلِ وسلم وزد وبارك على سيدنا محمد وعلى آله ومن اتبعه إلي يوم الحق والدين.

ثم أما بعد، اعلموا عباد الله أنكم من الله وإليه راجعون، شاء من شاء وأبى من أبي، فمن كان منكم يرجوا لقاء الله فيعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحدا.

أيها الأحبة في الله،

فضل التفاؤل وأثره في استقرار النفس

أيها المسلمون، إن التفاؤل وحسن الظن بالله من صفات المؤمنين الصادقين، وهو نور ينير القلوب وسط ظلمات المحن والابتلاءات. التفاؤل لا يعني تجاهل الواقع أو إنكار الألم، ولكنه يعني الثقة في أنَّ رحمة الله أوسع، وأنَّ الخير قادم مهما اشتدت الأزمات. يقول النبي ﷺ: ”تَفَاءَلُوا بِالْخَيْرِ تَجِدُوهُ” [رواه أحمد].

إن التفاؤل يبعث في النفس السكينة ويزيل عنها القلق والخوف من المستقبل. وهو سبب في استقرار النفس وطمأنينتها، لأن المؤمن يعلم أن الله أرحم به من أمه، وأن كل ما كتبه الله له خير، قال تعالى: ”فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ” [البقرة: 216].

قصص من السيرة النبوية عن حسن الظن بالله

أيها الإخوة الأحبة، لقد ضرب لنا رسول الله ﷺ أروع الأمثلة في التفاؤل وحسن الظن بالله، حتى في أشد المواقف وأصعب الظروف. عندما اشتد عليه وعلى أصحابه الكرب في غار ثور أثناء الهجرة، قال لصاحبه أبي بكر رضي الله عنه مطمئناً: ”لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا” [التوبة: 40].

وفي غزوة الأحزاب، حينما اجتمع الكفر من كل حدب وصوب لمحاربة المسلمين، كان النبي ﷺ يبشر أصحابه بفتح الشام وفارس واليمن، وهو يحفر الخندق تحت حصار وقلة في العتاد والطعام. هذا هو التفاؤل وحسن الظن بالله الذي نحتاج أن نغرسه في نفوسنا.

ومن أعظم صور التفاؤل التي ذكرها القرآن الكريم قصة يعقوب عليه السلام مع ابنه يوسف. عندما فقد يوسف عليه السلام ثم بنيامين، لم يفقد يعقوب عليه السلام الأمل في رحمة الله، بل كان دائماً متفائلاً بعودة أبنائه. قال تعالى على لسانه: “يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ” [يوسف: 87].

هذا التفاؤل الراسخ نابع من إيمان يعقوب عليه السلام العميق بقدرة الله ورحمته، وهو درس لنا جميعاً أن نحسن الظن بالله مهما اشتدت المصاعب.

كيف نزرع الأمل في قلوبنا وقلوب الآخرين

أيها الإخوة، إن زرع الأمل وحسن الظن بالله يبدأ أولاً بالإيمان العميق بقدرة الله وحكمته. علينا أن نذكر أنفسنا ومن حولنا دائماً بآيات الله وأحاديث رسوله التي تدعو إلى الرجاء في رحمة الله. قال ﷺ: ”إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي” [رواه البخاري].

  • لنزرع الأمل بالكلمة الطيبة: فكلمة واحدة قد تغير حياة إنسان، قال تعالى: ”وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا” [البقرة: 83].
  • لنزرع الأمل بالقدوة الحسنة: أن نكون نحن أول المتفائلين، وأن نرى الخير في كل شيء.
  • لنزرع الأمل بالدعاء: فالدعاء قوة عظيمة، وهو سلاح المؤمن.

الخطبة الثانية

الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على النبي الذي اصطفى، اللهم صلِ وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلي يوم الحق والدين. ثم أما بعد

يقول الله تعالى: “قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ” [الزمر: 53].

إن هذه الآية العظيمة تبعث الأمل في القلوب، وتؤكد أن رحمة الله واسعة تشمل كل ذنب، وأن باب التوبة مفتوح مهما بلغت المعاصي. لا يقنط الإنسان من رحمة الله مهما أسرف على نفسه، لأن الله سبحانه وتعالى يغفر الذنوب جميعاً لمن تاب وآمن وعمل صالحاً.

اللهم إنا نسألك إيماناً لا يتزعزع، ويقيناً لا ينقطع، وقلباً عامراً بحسن الظن بك. اللهم فرج هم المهمومين، واقض الدين عن المدينين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين. اللهم اجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين. آمين.

هذا، وأقم الصلاة…

محمد الشيخ

مطور تطبيقات، صانع محتوي، مسلم وإمام مسجد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى