خطبة الجمعة عن بر الوالدين وحقهما
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين
(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَىٰ عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجًا ۜ (1) قَيِّمًا لِّيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِّن لَّدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا (2) مَّاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا (3) وَيُنذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا (4))[الكهف]
واشهد إلا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله وصفيه من خلقيه وحبيبه، بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق الجهاد حتي آتاه اليقين.
فاللهم صلِ وسلم وزد وبارك على سيدنا محمد وعلى آله ومن اتبعه إلي يوم الحق والدين.
ثم أما بعد، اعلموا عباد الله أنكم من الله وإليه راجعون، شاء من شاء وأبى من أبي، فمن كان منكم يرجوا لقاء الله فيعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحدا.
أيها الإخوة المسلمون،
حديثنا اليوم عن حق عظيم وواجب كبير، إنه حق الوالدين، وبرهما الذي هو من أعظم القربات، وعقوقهما الذي هو من أكبر الكبائر.
عباد الله،
لقد قرن الله عز وجل حق الوالدين بحقه في كثير من آيات القرآن، فقال سبحانه:
﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ [الإسراء: 23].
تأملوا كيف قرن الله الإحسان إلى الوالدين بعبادته، وهذا يدل على عظيم منزلتهما وحقهما علينا.
وقال عز وجل:
﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا﴾ [الأحقاف: 15]، وقال:
﴿وَاشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ﴾ [لقمان: 14].
أيها المسلمون،
الوالدان هما سبب وجودنا في هذه الحياة، وهما اللذان بذلا أعمارهم وأفنوا صحتهم من أجل راحتنا ورعايتنا. حملتنا أمهاتنا في بطونهن تسعة أشهر مشقة على مشقة، وسهر آباؤنا الليالي ليؤمنوا لنا لقمة العيش.
عباد الله،
بر الوالدين لا يقتصر على الكلام الطيب فقط، بل يشمل كل صور الإحسان إليهما، من حسن المعاملة، والطاعة في المعروف، والتواضع لهما، والقيام بحاجاتهما، خاصة في كبرهما. قال الله تعالى:
﴿إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا﴾ [الإسراء: 23].
أيها الأحبة في الله،
لقد ضرب السلف الصالح أروع الأمثلة في بر الوالدين. فهذا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما رأى رجلاً من أهل اليمن يطوف بالكعبة وهو يحمل أمه على ظهره، فقال: يا ابن عمر، أتراني جزيتها؟ فقال له ابن عمر: “ولا بزفرة واحدة.”
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: “بكاء الوالدين من العقوق.”
أيها المسلمون،
البر بالوالدين له بركة عظيمة في الدنيا والآخرة. قال النبي ﷺ:
“من أحب أن يُمدَّ له في عمره، ويُزاد له في رزقه، فليبر والديه وليصل رحمه.” [رواه البخاري].
أما العقوق، فهو من الكبائر المهلكة التي توجب غضب الله. قال النبي ﷺ:
“ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين.” [رواه البخاري].
وقد جاء في الحديث أيضًا:
“كل الذنوب يؤخر الله منها ما شاء إلى يوم القيامة، إلا عقوق الوالدين، فإنه يعجل لصاحبه في الدنيا قبل الآخرة.” [رواه الحاكم].
الخطبة الثانية
الحمد لله
الحمد لله الذي أمر ببر الوالدين، وحث على الإحسان إليهما، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
أما بعد، عباد الله:
إن الوالدين إذا بلغا الكبر يكونان في أشد الحاجة إلينا، وهما أحوج ما يكونان إلى رحمتنا وعطفنا وصبرنا. فليكن شعارنا معهما كما قال الله عز وجل:
﴿وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ﴾ [الإسراء: 24].
أيها الشباب،
كونوا عونًا لآبائكم وأمهاتكم، احملوا عنهم هموم الحياة، وكونوا سندًا لهم كما كانوا سندًا لكم في طفولتكم. لا تبخلوا عليهم بكلمة طيبة، أو دعوة صالحة.
ولا تنسوا الدعاء لهما بعد وفاتهما، فقد جاء في الحديث:
“إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له.” [رواه مسلم].
عباد الله،
تذكروا أن البر لا يتوقف بموت الوالدين، بل يستمر بالدعاء لهما، والصدقة عنهما، وصلة أرحامهما.
نسأل الله أن يعيننا على بر والدينا، وأن يجعلنا من البارين بهم في حياتهم وبعد موتهم. اللهم اغفر لنا ولآبائنا وأمهاتنا، واغفر لهم وارحمهم كما ربونا صغارًا.
هذا وصلوا وسلموا على نبينا محمد، كما أمركم الله بقوله:
﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: 56].
معاني الكلمات
(الزَّفْرَةُ: الْمَرَّةُ مِنَ الزَّفِيرِ، وَهُوَ تَرَدُّدُ النَّفَسِ حَتَّى تَخْتَلِفَ الْأَضْلَاعُ، وَهَذَا يَعْرِضُ لِلْمَرْأَةِ عِنْدَ الْوَضْعِ وَالْوِلَادَةِ.)