خطبة عن وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ۛ

بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين
(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَىٰ عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجًا ۜ (1) قَيِّمًا لِّيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِّن لَّدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا (2) مَّاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا (3) وَيُنذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا (4))[الكهف]
واشهد إلا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله وصفيه من خلقيه وحبيبه، بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق الجهاد حتي آتاه اليقين.
فاللهم صلِ وسلم وزد وبارك على سيدنا محمد وعلى آله ومن اتبعه إلي يوم الحق والدين.
ثم أما بعد، اعلموا عباد الله أنكم من الله وإليه راجعون، شاء من شاء وأبى من أبي، فمن كان منكم يرجوا لقاء الله فيعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحدا.
عنوان اللقاء ” وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ۛ وَأَحْسِنُوا ۛ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (195)[سورة البقرة] “
إن الله قد خلق الإنسان في أحسن تقويم، فنحن صنعة الله التي خلقها، والصانع دائماً يريد لصنعته السلامة لذلك وضع الله دستوراً للبشرية قبل خلقها لضمان سلامة الخلق حيث قال الله: “الرَّحْمَٰنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الْإِنسَانَ (3) [سورة الرحمن]”.
لذلك اي فعل يضر بخلق الله دون وجه حق محرم عليه، وكل ما يضر الإنسان حرام عليه، فلو أخذنا التدخين كمثال لم يرد عليه نص صريح للتحريم ولكن هو يضر الإنسان من اكثر من جانب منها المادية ومنها الجسدية لذلك هو حرام عليه.
فالإنسان يوم القيامة سوف يُسأل عن كل شئ بنص قول النبي: «لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن جسمه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن علمه ماذا عمل فيه». (رواه الترمذي وابن ماجه، وهو حديث صحيح).
وكذلك المخدرات التي تضر بالإنسان ولا تنفعه بشئ، قد حرم الله الاقتراب منها والأبتعاد عن كل عمل يقرب لها فقال: ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90)[سورة المائدة]
وأمر القاء النفس إلي التهلكة له صور كثيره ايضاً منها القيادة بتهور وبسرعة جنونية فلو نظرنا إلي الآية الكريمة: (وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ) [النحل:8]، نحن في زمانٍ خلق الله فيه للعباد وسائل النقل المريحة التي تتحقق بها تنقلاتهم براحةٍ وطمأنينةٍ وهدوءٍ، في مقاعدَ مريحةٍ، وأجواء مكيَّفة، ولم يُعانوا ما كان يعانيه مَن قبلهم في وسائل النقل، وهي منَّة عظيمة منَّ الله -تبارك وتعالى- بها على العباد، نسأل الله -عز وجل- أن يوزعنا جميعًا شكرها.
عباد الله: كم يحتاج كل من يقود السيارة متنقلاً بها أن يتذكر قول الله -تبارك وتعالى-: (وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ)؛ نعم والله! ما أحوج من يقود السيارة إلى أن يتأمل في هداية هذه الآية المباركة!
أيها المؤمنون: جاء في صحيح البخاري من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- أَنَّهُ دَفَعَ مَعَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- يَوْمَ عَرَفَةَ، فَسَمِعَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- وَرَاءَهُ زَجْرًا شَدِيدًا وَضَرْبًا وَصَوْتًا لِلإِبِلِ، فَأَشَارَ -عليه الصلاة والسلام- بِسَوْطِهِ إِلَيْهِمْ وَقَالَ: “أَيُّهَا النَّاسُ: عَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ؛ فَإِنَّ البِرَّ لَيْسَ بِالإِيضَاعِ”. والإيضاع: هو الإسراع.
وما عُلم -أيها العباد- أنَّ الإسراع بالإبل والتدافع في السير بها يؤدي إلى ما قد أدى إليه الإسراع بالسيارات والتهور فيها من أمورٍ مهلكة، ومآسٍ عظيمة؛ أرواحٌ تُهدر، وأموالٌ تُتلف، ومصائب عظيمة تحصل.
وإذا كان -عليه الصلاة والسلام- قال لهم وهم على الإبل: “عَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ؛ فَإِنَّ البِرَّ لَيْسَ بِالإِيضَاعِ”. يخشى عليهم -صلوات الله وسلامه عليه- أن يضرَّ بعضهم ببعض، أو أن يؤذي بعضهم بعضًا، أو أن يقتل بعضهم بعضًا، وهو أمرٌ قد يحصل في الإسراع بالإبل، ولا سيما إذا كانت في جماعات؛ فإذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- قال ذلك فيما يتعلق بالإبل، تلك الوسيلة المتاحة للناس في ذلك الزمان، فما الذي يقال في وقتنا هذا وزماننا الحاضر، ولا سيما للشباب؟!
اقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم او كما قُيل ادعوا الله وأنتم مؤقنون بالإجابة
الخطبة الثانية
الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على النبي الذي اصطفى، اللهم صلِ وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلي يوم الحق والدين. ثم أما بعد
وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ: دَمُهُ، وَمَالُهُ، وَعِرْضُهُ”.
وفي مسند الإمام أحمد عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “الْمُؤْمِنُ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ، وَالْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ”.
فالإنسان الذي يحفظ حدود الله يحفظه، ومن يضر خلق الله يضره الله لذلك لا تلقوا بأيديكم إلي التهلكة وحافظوا علي أنفسكم وغيركم
فاللهم اغفر لنا…هذا واقم الصلاة