خطبة عن لا سبيل للنجاة إلا مع الله

بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين
(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَىٰ عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجًا ۜ (1) قَيِّمًا لِّيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِّن لَّدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا (2) مَّاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا (3) وَيُنذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا (4))[الكهف]
واشهد إلا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله وصفيه من خلقيه وحبيبه، بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق الجهاد حتي آتاه اليقين.
فاللهم صلِ وسلم وزد وبارك على سيدنا محمد وعلى آله ومن اتبعه إلي يوم الحق والدين.
ثم أما بعد، اعلموا عباد الله أنكم من الله وإليه راجعون، شاء من شاء وأبى من أبي، فمن كان منكم يرجوا لقاء الله فيعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحدا.
يقول الله عز وجل
(قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُم مِّنْهَا وَمِن كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنتُمْ تُشْرِكُونَ (64))[الأنعام]
فلا سبيل لنجاة المرء إلا مع الله عزل وجل، فالأرض أرضه والسماء سمائه ولا يملك الإنسان لنفسه نفعاً ولا ضراً، لذلك يجب أن يدرك هذه الحقيقة.
فهذا يونس (عليه السلام) الذي خرج تاركًا وراءه قومه متجهًا إلى شاطئ البحر غاضبًا يائسًا من قومه بسبب كفرهم وتماديهم في ضلالهم.، فوجد قومًا على متن سفينة مستعدون للإبحار، فطلب من هؤلاء القوم أن يأخذوه معهم على سطح السفينة في رحلتهم، فتوسم هؤلاء القوم فيها الصلاح ووافقوا على اصطحابه معهم على سطح سفينتهم، وبدؤوا في الإبحار. ولما توسطوا البحر جاءت الرياح الشديدة وهاج البحر وعلت الأمواج، فقال من في السفينة: إنّ فينا صاحب ذنب، فأسهموا واقترعوا فيما بينهم على أنّ من يقع عليه السهم يلقونه في البحر، فلما اقترعوا وقع السهم على نبي الله يونس (عليه السلام) فتوسموا فيه الخير ورفضوا أن يلقوه في البحر، وقرروا أن يعيدوا الاقتراع ويلقوا السهم مرة أخرى ليجدوا إلى من سيشير هذه المرة، وكرروا القرعة ثلاث مرات وفي كل مرة كان السهم يشير إلى يونس ويأبوا أن يرموه هو، حتى قرر يونس (عليه السلام) أن يقفز في البحر موقنًا أنّ الله تعالى سينجيه من الغرق والهلاك.
عندما قرر يونس (عليه السلام) أن يلقي بنفسه في البحر؛ لتهدأ العاصفة كان متيقنًا من أنّ الله تعالى لن يتركه يغرق، وأنه سبحانه وتعالى سينجيه من الهلاك. فوجد يونس أمامه حوتًا عظيمًا فابتلعه والتقمه ابتلاءً له على ترك قومه وتركهم لهم دون انتظار أمر الله تعالى له، فلما ابتلعه الحوت استقر يونس (عليه السلام) في بطنه في حماية الله تعالى في الظلمات، وهي ظلمات البحر وظلمات بطن الحوت بالإضافة إلى ظلمات الليل الحالكة.
وعلى عكس المتوقع في هذه الحالة، فلم يُخدش يونس ولم يكسر له عظم ولم يجرح قط؛ لأنه كان في رعاية الله ورحمته وتأديبه له، وكانت هذه إحدى معجزات قصة سيدنا يونس (عليه السلام).
سار الحوت وفي بطنه نبي الله يونس في جوف البحر، كان يونس يسمع أصواتًا لا يعرف مصدرها ولا معناها، فألهمه الله تعالى أنها أصوات تسبيح دواب البحر، وقد استمر يونس عليه السلام في التسبيح والدعاء والاستغفار قائلا ما ورد عنه في قوله تعالى في سورة الأنبياء:
بسم الله الرحمن الرّحيم
“وذا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنَّ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنْ الظَّالِمِينَ.”[الأنبياء]
صدق الله العظيم.
فلم ينجي يونس عليه السلام إلا الله، وأنت أخي المسلم لا سبيل لنجاتك إلا مع الله، وقد يظن البعض أن الله فعل مع يونس ( عليه السلام) هذا لأن نبي ولكن الله لا يفرق بين عباده إلا بتقوى، لذلك تجد في الآيات
(فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ ۚ وَكَذَٰلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ (88))[الأنبياء]
فالنجاة لكل عباد الله الذين تقربوا إلي الله بالأعمال الصالحة والنية الخالصة له
ولذلك تقدموا لنفسكم تجده، وتعرفوا إلي الله في الرخاء يعرفكم في الشدة بنص قول النبي ( صلى الله عليه وسلم):-
عن ابن عباس رضي الله عنهما – قال: كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا غلام، ألا أعلمك كلمات؛ لعل الله أن ينفعك بهن؟ قلت: بلى فداك أبي وأمي.
“احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده أمامك، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة، واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك، وأن الخلائق لو اجتمعوا على أن يعطوك شيئا لم يرد الله أن يعطيكه لم يقدروا على ذلك، أو يصرفوا عنك شيئا أراد الله أن يعطيكه لم يقدروا على ذلك، وأن جف القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة، فإذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، وأن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرا”.ورواه الترمذي
اقول قولى هذا واستغفر الله العظيم لي ولكم او كما قيل ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة
الخطبة الثانية
الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على النبي الذي اصتفى، اللهم صلِ وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلي يوم الحق والدين. ثم أما بعد
اعلموا عباد الله أن الإنسان في الدنيا غريب وسيرحل في يوم من الأيام، وسيقف بين يدى الله ويُحاسب علي ما قدم ولن يُنجيك إلا الله وتقربك إليه بالأعمال الصالحة، فانظر إلي الرجال الثلاثة الذين تكلم عنهم النبي والكرب الذي اصابهم كيف نجاهم الله بأعمالهم الصالحة.
الرجال الثلاثة، خرجوا من ديارهم لغرض من الأغراض، وبينما هم كذلك إذ نزل مطر غزير، فبحثوا عن مكان يحتمون فيه من شدة المطر، فلم يجدوا إلا غارًا في جبل.
وكانت الأمطار من الغزارة بحيث جرفت السيول الصخور الكبيرة من أعلى الجبل، فانحدرت صخرة من تلك الصخور، حتى سدت عليهم باب الغار، وكانت من العظم بحيث لا يستطيعون تحريكها فضلا عن دفعها وإزالتها، ولا يوجد سبيل إلى إيصال خبرهم إلى قومهم، وقد أزالت الأمطار والسيول كل أثر يمكن عن طريقه الاهتداء إلى مكانهم، وحتى لو صاحوا بأعلى صوتهم فلن يصل إلى أبعد من جدران الغار الذي يحيط بهم.
وعندها تيقنوا الهلاك، ووصلوا إلى حالة من الاضطرار، فأشار أحدهم على أصحابه أن يتوسل كل واحد منهم إلى ربه بأرجى عمل صالح عمله، وقصد فيه وجه الله، فتوسل الأول ببره بوالديه حال كبرهما وضعفهما، وأنه بلغ بره بهما أنه كان يعمل في رعي المواشي، وكان إذا عاد إلى منزله بعد الفراغ من الرعي، يحلب مواشيه، فيبدأ بوالديه، فيسقيهما قبل أهله وأولاده الصغار، وفي يوم من الأيام، ابتعد في طلب المرعى، فلم يرجع إلى المنزل إلا بعد أن دخل المساء، وجاء بالحليب كعادته، فوجد والديه قد ناما، فكره أن يوقظهما من نومهما، وكره أن يسقي الصغار قبلهما، فبقي طوال الليل ممسكا بالإناء في يده، ينتظر أن يستيقظ والداه، وأولاده يبكون عند رجليه، يريدون طعامهم، وظل على هذه الحال حتى طلع الفجر.
وأما الثاني فتوسل بخوفه من الله، وعفته عن الحرام والفاحشة، مع قدرته عليها، وتيسر أسبابها، فذكر أنه كانت له ابنة عم يحبها حبا شديدا، فراودها عن نفسها مرارا، ولكنها كانت تأبى في كل مرة، حتى أصابتها حاجة ماسة في سنة من السنين، فاضطرت إلى أن توافقه على طلبه مقابل مبلغ من المال، تدفع به تلك الحاجة التي ألمت بها، فلما قعد منها مقعد الرجل من امرأته، تحرك في قلبها داعي الإيمان والخوف من الله، فذكرته بالله في هذا الموطن، فقام عنها خائفا وجلا، وترك المال الذي أعطاها.
وأما الثالث فتوسل بأمانته وحفظه لحقوق الآخرين، حيث ذكر أنه استأجر أجيرًا ليعمل له عملًا من الأعمال، وكانت أجرته شيئًا من الأرز، فلما قضى الأجير عمله عرض عليه الرجل أجره، فتركه وزهد فيه، وعلى الرغم من أن ذمة الرجل قد برئت بذلك، إلا أنه حفظ له ماله وثمره ونماه، حتى أصبح مالا كثيرا، جمع منه بقرًا مع راعيها، فجاءه الأجير بعد مدة طويلة، يطلب منه أجره الذي تركه، فأعطاه كل ما جمعه له من المال.
وكان كلما ذكر واحد منهم عمله انفرجت الصخرة قليلا، حتى أتم الثالث دعاءه، فانفرجت الصخرة بالكلية وخرجوا يمشون.
فانجاهم الله لأنهم تعرفوا إليه في الرخاء فعرفهم في الشده، لذلك اسأل الله العظيم الكريم أن ينجينا من كل كرب.