موقف الإسلام مع المرأة: رجعي أم إصلاحي؟

قد يُقال: إن موقف الإسلام موقف رجعي، وذلك في تعدد الزوجات، ولزوم البيت، والحجاب، وبخس حقها في الميراث، والضرب، والهجر في المضاجع، وكذلك جعل حق الرجل في القِوامة والطلاق دونها، إلى غير ذلك من التهم…
ولكن هل حقًّا الإسلام رجعي مع المرأة؟
أولًا: حال النساء قبل الإسلام
كانت المرأة في الجاهلية منحطّة بدرجة كبيرة، إلى أن جاء الإسلام فأعطاها حقوقًا ومنحها الرفعة. وأفضل ما يصف حال المرأة في الجاهلية ويحدد وضعها مقولة عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
“والله إنا كنا في الجاهلية ما كنا نعدّ النساء شيئًا حتى جاء الإسلام، وأنزل الله فيهن قرآنًا، وقسّم لهن ما قسم”.
فقد كان نصيب المرأة في الجاهلية الوأد والدفن حيّة، وكان يُنظر إليها على أنها متاع من الأمتعة، حتى إنها كانت تُعتبر جزءًا من الإرث يُتصرف فيها كما يُشاؤون مثل الأموال والبهائم. وكان الرجل يتزوج ما شاء من النساء ويطلق عدد ما شاء من الطلقات، وكانوا يُكرهون بناتهم وجواريهم على البغاء ويقبضون الثمن، إلى أن جاء الإسلام فحرّم الوأد، وقيد عدد الطلقات بثلاث، والزواج بأربع مع وضع الشروط، وحرّم الزنا والبغاء ووضع له عقوبة.
ولكن هل المرأة الغربية الآن أسعد حالًا من المرأة في الجاهلية؟
ثانيًا: لماذا شرع الإسلام الزواج الثاني؟
جاء الإسلام بتحريم الفواحش كلها، فلا زنا، ولا لواط، ولا سِحاق، ولا إتيان للبهائم، ولا شيء من الأنكحة الفاسدة التي كانت قبل البعثة. فحصر الوطء الحلال في الزوجة، وقيد الرجل بأربع زوجات بعد أن كان يتزوج ما يشاء بلا عدد مخصوص.
فلم يمنع الإسلام الأمر، ولم يُوجبه، بل أبقاه في دائرة الإباحة، وقيّده بشرط صعب التحقق، وهو العدل بين النساء.
قال تعالى: “فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً” (النساء: 3).
وقال تعالى: “وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ” (النساء: 129).
فالغاية الغالبة في الزواج هي النسل والإنجاب، فقد يتزوج الرجل من امرأة بغرض التناسل فيجدها عاقرًا، ولا يريد طلاقها حبًّا لها وإشفاقًا بها، فيكون من مصلحتها أن ينكح أخرى تأتيه بالذرية مع بقاء الأولى في نعمة الزواج.
ومن فوائد التعدد أيضًا حفظ حقوق المرأة؛ فالمجتمع الغربي الذي يدّعي حقوق المرأة أكثر ما فيه انتشار تعدد العشيقات، فأيهما أفضل للمرأة؟ أن تكون زوجة ثانية لها كامل الحقوق من سكن ونفقة ومبيت، أم أن تكون عشيقة سرية تختلس المتعة من وراء الجدران؟
وكذلك فإن التعدد يحدّ من الفساد الأخلاقي، ويقضي على ظاهرة الزنا، ويزيد التكافل الاجتماعي، ويتيح فرصًا لبناء أسر جديدة، وغير ذلك من الفوائد.
ثالثًا: لماذا أمر الإسلام المرأة بالبقاء في البيت؟
قال تعالى: “وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ” (الأحزاب: 33). أمر الله تعالى زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم بالبقاء في البيت باعتبارهن القدوة العليا للنساء.
فالوضع الأمثل للمرأة أن تكون في بيتها لتربية الأولاد ورعاية الأسرة. أما القول بأن هذا تعطيل لنصف المجتمع، فمردود عليه؛ إذ أن خروج المرأة للعمل يؤدي إلى مفاسد الاختلاط وخلو البيوت من الأمهات. وأي أمة أكرم: أمة يربَّى أطفالها في أحضان أمهاتهم، أم أمة يُترك أطفالها دون رعاية أمٍّ صالحة؟
أما عن سؤال: إذا كان مصير المرأة بيتها فلماذا تتعلم؟ فالجواب: “إذا علمت رجلًا فقد علمت فردًا، وإذا علمت امرأة فقد علمت أمة”.
ومع ذلك لم يمنع الإسلام المرأة من الخروج للعمل أو العلم؛ ففي عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وُجدت فقيهات وشاعرات، ونساء شاركن في العلم والجهاد. نذكر منهن نسيبة بنت كعب التي خرجت في الغزوات تدافع عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك السيدة عائشة رضي الله عنها التي كانت من أكثر رواة الحديث.
رابعًا: الحكمة من فرض الحجاب على المرأة
قال تعالى: “يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ” (الأحزاب: 59).
والحجاب ليس حجرًا على الحرية، بل هو صيانة للمرأة وحماية لها من أعين السوء، وحفظ للمجتمع من الفساد. وهو يتناسب مع الغيرة الفطرية لدى الرجل السوي.
والإسلام لم يمنع المرأة من التزين والأناقة، بدليل أنه أباح لها الذهب والحرير وحرمهما على الرجال، توافقًا مع طبيعتها الأنثوية.
خامسًا: لماذا حق الرجل في الميراث أكبر؟
قال تعالى: “يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ” (النساء: 11).
وليس ذلك انتقاصًا من المرأة، بل لأن الرجل مكلف بالإنفاق على نفسه وعلى أسرته ووالديه، بينما المرأة نفقتها على أبيها قبل الزواج، وعلى زوجها بعده، ثم على أولادها أو بيت مال المسلمين.
والواقع أن هناك أربع حالات فقط ترث فيها المرأة نصف الرجل، بينما هناك أكثر من ثلاثين حالة ترث فيها مثل الرجل أو أكثر، بل وفي بعض الحالات ترث المرأة ولا يرث الرجل.
إذن فمقدار الميراث في الإسلام لا يعتمد على الذكورة والأنوثة، وإنما على ثلاثة معايير:
- درجة القرابة.
- موقع الجيل الوارث.
- العبء المالي الواقع على الوارث.
سادسًا: لماذا الطلاق والقِوامة بيد الرجل؟
قال تعالى: “الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ” (النساء: 34).
القِوامة تعني مسؤولية الرجل بالنفقة والرعاية والحفظ. وجعل الله الطلاق بيده لأنه أقدر على ضبط مشاعره، بينما المرأة يغلب عليها التأثر بالعاطفة والانفعال.
ومع ذلك فإن الإسلام أعطى المرأة حق الخلع، بل ولها أن تشترط في عقد الزواج أن تكون العصمة بيدها.
سابعًا: الحكمة من الضرب والهجر في المضاجع
قال تعالى: “وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ” (النساء: 34).
هذا العلاج خاص بالزوجة الناشز فقط، وبالتدرج: الوعظ، ثم الهجر، ثم الضرب غير المبرح إن لم ينفع غيره. أما المرأة السوية فلها المودة والرحمة.
وهذا يتفق مع ما وصل إليه علم النفس الحديث في فهم السلوكيات الشاذة. فقد لخص القرآن علاج النشوز في خطوات عملية واضحة، تغني عن المجلدات.
ومن معجزات القران الكريم في فهم النشوز ويتفق مع ما وصل إليه علم النفس العصري في فهم المسلك المرضي للمرأة؛ وهذا المسلك نوعين :
- النوع الاول : هو المسلك الخضوعي (masochism) وهي حاله مرضية تلتذ فيها المرأة بالضرب والإهانة وتكون الطرف الخاضع، فكان علاجها الضرب.
- النوع الثاني : هو المسلك التحكمي (sadism) وهي حالة مرضية تلتذّ فيها المرأة بأن تتحكم وتتسلط وتتجبر، ولا علاج لحالتها سوا كسر سلاحها الذي تتحكم بة وهو أنوثتها فتهجر في المضجع.
فقد لخص الإسلام كل ما يتعلق بالمرأة الناشز في جملة واحدة جامعة تغني عن كل مجلدات نشوز المرأة وعلاجة وكل ما أتى به علم النفس في أمرها.
خاتمة
يتبين أن موقف الإسلام من المرأة ليس رجعيًا ولا ظالمًا، بل هو تكريم وعدل ورحمة، مع حفظ الحقوق وصيانة الكرامة، وتنظيم العلاقة بين الرجل والمرأة على أسس متوازنة تحقق الاستقرار للأسرة والمجتمع.
قال النبي صلى الله عليه وسلم في خطبته الأخيرة:
“استوصوا بالنساء خيرًا”.
مقالة رائعة توضح كيف نصر الإسلام المرأة وكرمها.
جزاكم الله خيراً
ممتاز