خطبة عن “ما عندكم من نعم فمن الله”

الحمد لله الذي أنعم علينا بنعمه الظاهرة والباطنة، ووفق من شاء من عباده لشكره وحسن عبادته، نحمده سبحانه ونشكره، ونعوذ به من كفران نعمه وجحود فضله. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فأوصيكم ونفسي المقصرة بتقوى الله، فهي وصية الله للأولين والآخرين، قال تعالى:
﴿وَلَقَدۡ وَصَّيۡنَا ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ مِن قَبۡلِكُمۡ وَإِيَّاكُمۡ أَنِ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ﴾ [النساء: 131].
عباد الله:
إن من أعظم القضايا التي يجب أن نتأملها ونتذكرها دائمًا هي أن كل ما بين أيدينا من نعم إنما هو من الله وحده، فهو المتفضل بها، وهو الذي يرزقنا بغير حولٍ منا ولا قوة، قال تعالى:
﴿وَمَا بِكُم مِّن نِّعۡمَةٖ فَمِنَ ٱللَّهِ﴾ [النحل: 53].
فكل نعمة في حياتنا، من الصحة والرزق، والأمن والأهل، والعقل والإيمان، كلها عطايا من الكريم الوهاب. ومع ذلك، كم من الناس ينسبون الخير إلى أنفسهم، ويغفلون عن شكر الله؟!
وجوب شكر النعم
إن الشكر هو مفتاح الزيادة، فقد وعد الله من يشكره بالمزيد، فقال سبحانه:
﴿وَإِذۡ تَأَذَّنَ رَبُّكُمۡ لَئِن شَكَرۡتُمۡ لَأَزِيدَنَّكُمۡ وَلَئِن كَفَرۡتُمۡ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٞ﴾ [إبراهيم: 7].
والشكر يكون بالقلب اعترافًا، وباللسان ثناءً، وبالجوارح طاعةً. وليس الشكر مجرد كلمات تُقال، بل هو عمل يظهر في سلوك العبد، فيؤدي شكر المال بالإنفاق في الخير، ويشكر الصحة بالطاعة، ويشكر العلم بنشره.
تحذير من كفران النعم
عباد الله، من أعظم الذنوب جحود النعمة وكفرانها، وهذا ما وقع فيه قارون حين قال متكبرًا:
﴿إِنَّمَا أُوتِيتُهُۥ عَلَىٰ عِلۡمٍ عِندِيٓ﴾ [القصص: 78]، فكان عقابه أن خسف الله به وبداره الأرض.
وكم من أناس أغناهم الله، فأعرضوا عن شكره، بل استعملوا نعم الله في معصيته! فهل يأمن هؤلاء أن يُسلبوا ما أُعطوا؟! ألم يروا كيف تُنزع النعم عن أقوامٍ بسبب غفلتهم وبطرهم؟
وتذكر معى أخي الحبيب قول الله: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ) (112)[سورة النحل]
خبرنا الله سبحانه وتعالى عن قرية كانت تعيش في رخاء وأمن، يأتيها رزقها من كل مكان بلا مشقة ولا تعب، ولكنها قابلت هذه النعم بالجحود والكفر بدلاً من الشكر، فكان العقاب الإلهي أن بدل الله أمنهم خوفًا، ورغدهم جوعًا، بسبب سوء أفعالهم وجحودهم لأنعمه.
ونستفيد من هذا:
- النعم تُحفظ بالشكر وتُسلب بالجحود – قال تعالى:
﴿لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾ [إبراهيم: 7]. - الأمن والرزق من أعظم النعم – فإذا فقد الناس الأمن أو الطعام، ضاقت عليهم الحياة.
- عقوبة كفران النعمة ليست بالضرورة مباشرة – فقد تكون بشكل تدريجي حتى لا ينتبه الإنسان إلا بعد فوات الأوان.
- التوبة والاستغفار يعيدان النعم – فمن وقع في الجحود عليه أن يعود إلى الله ليستديم الخير.
الخطبة الثانية
الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على النبي الذي اصطفى، اللهم صلِ وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلي يوم الحق والدين. ثم أما بعد
الكل فينا في نعم ونعم الله يوزعها في الدنيا للابتلاء فمن شكر أدام الله عليه نعمة ومن كفر إزالها الله من بين يديه.
ولنعلم جميعاً أن شكرا النعم لا باللسان فقط بل بالمحافظة عليها والاعتراف بها في قرارة النفس
هذا ونسأل الله أن يجعلنا من الشاكرين، وأن يزيدنا من فضله، وأن يعيننا على طاعته، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك